هل لكل سؤال جواب؟
المشكلة و الإشكالية - السؤال العلمي و السؤال الفلسفي - 3 ثانوي - بكالوريا
في ملف pdf + مكتوبة
            يعيش الانسان في عالم مليء بالظواهر التي تدهشه و تبعث فيه الاستغراب فيدفعه فضوله الفطري إلى محاولة معرفة أسرارها و اكتشاف خباياها، فهو دائما يسعى إلى تحصيل المعرفة محاولا بذلك تجاوز حالة الجهل لتي ولد عليها، و ذلك من خلال طرح التساؤلات. و السؤال هو الطلب و الالتماس و استدعاء المعرفة، وهو كل ما يستلزم جوابا، و هو الحافز الذي يدفع الانسان للبحث لبلوغ المعرفة، لكن وقوف و عجز الانسان عن الإجابة عن بعض التساؤلات خلق جدلا واسعا بين أوساط الفلاسفة و المفكرين فمنهم من أقر أن لكل سؤال جواب، و هناك من ناقضهم و أقر عكس ذلك. من هذا الجدل القائم نطرح الاشكال الآتي: هل يتوفر جواب لكل سؤال؟]

            يرى أنصار الرأي الأول بزعامة جملة من العلماء أنه لابد أن يكون لكل سؤال جواب، وقد دعموا أطروحتهم بحجج و أدلة. لقد أكد الباحثون أنه يمكننا الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تواجهنا رغم تنوعها و إختلافها، وهذا بحد ذاته دليل على تباين الأسئلة الممكن الإجابة عنها. فـالأسئلة البسيطة المبتذلة إجاباتها تكون سهلة بديهية، لا تثير أي قلق أو ارتباك في محاولة الإجابة عليها، مثلا: ما إسمك؟ كم عمرك؟ فهي أسئلة لا تستدعي أي تفكير، نفس الشيء بالنسبة للأسئلة المكتسبة حيث يكفي أن تكون ضمن مكتسباتنا العلمية، مثلا: ممّا يتكون الماء؟ كيف تحدث الزلازل؟... أما الأسئلة العملية، فهي نوع من الأسئلة التي تضعنا في مواقف عملية محرجة يصعب الخروج عنها و حلّها، و تدفع الإنسان لإستخدام ذكائه للبحث عن مخرج مناسب لإيجاد الحلول، مثلا "بقيت نصف ساعة على إقلاع الطائرة و قد نسيت التذكرة في المنزل، كيف أفعل؟" لكن رغب صعوبة حلّها إلّا أننا سنصل إلى حلّ عاجلا أم آجلا. قال كارل ماركس "البشرية لا تطرح على نفسها سوى المشاكل التي تستطيع حلّها"]

            صحيح ما قاله أنصار هذه الأطروحة المؤكّدون أن هنالك عدة أسئلة لها أجوبة، لكنهم بالغوا لأنه هنالك بعض الأسئلة التي عجزت الإنسانية على إيجاد أجوبة مقنعة لها، وهي أسئلة تحيّر العقل و تدفع فيه الاندهاش و التوتر خاصة التي تطرح حول القضايا الكبرى للحياة و الكون، فكيف نفسر هذا النوع من الأسئلة الذي لا إجابة عليه؟]

            يرى أنصار الرأي الثاني بزعامة جملة من الفلاسفة أنه ليس من الضروري أن يكون لكل سؤال جواب، ولا نستطيع الإجابة عن كل الأسئلة، و دليلهم على ذلك وجود حالات يتعذر إيجاد جواب للأسئلة المطروحة كسؤال "من الأسبق البيضة أم الدجاجة؟ من مصدر من؟"، فهذا السؤال طرح منذ قرون عديدة و لم يتم إيجاد جواب مقنع له لحد الآن. إضافة إلى نوع آخر من الأسئلة يثير الانفعال و الإحراج في نفسية الباحث، مثلا "هل الاستنساخ خير أم شر؟ نافع أم ضار؟ حلال أم حرام؟" فهذا النوع من الأسئلة يضيق علينا خطط الإجابة، و البعض الآخر من الأسئلة يقع في تناقضات الإجابة عليه خصوصا فيما يخصّ النهائي و اللانهائي، إضافة إلى أسئلة تُطرح حول حقيقة الانسان في الوجود كمثال سؤال باسكال: "لماذا فرضت عليّ هذه القامة القصيرة؟ لماذا ولدت في هذا البلد؟" فهي أسئلة لا تفسير مقنع عليها. و هنالك صنف آخر من الأسئلة جوابه يكون عبارة عن سؤال جديد، و هناك أسئلة تتخطى ذلك و من شدة تعقيدها تتحول إلى مشكلة تثير الدهشة و القلق كالأسئلة حول الحرية وبداية الكون، تتحول إلى إشكالية و معظلة فلسفية تثير الانفعال، فيعلق الباحث فيها بين الاثبات و النفي و تضيق عليه السبل ولا يصل إلى جواب مقنع، هذا ما عبّر عنه هيقل في قوله "إن أمهات المشكلات تملأ الشوارع"

            صحيح ما قاله أنصار هذه الأطروحة لكنهم بالغوا، إذ على الرغم أنه ليس لكل سؤال جواب، لكن رغم صعوبة بعض الأسئلة التي حيرت العقول لمدة سنين إلا أن العلم مع مرور الزمن توصّل إلى حلول لها، كمعضلة سبب سقوط الأجسام التي دامت 20 سنة، لكن في الأخير تم التوصل لحلّ لها حتى قيل: "من قال لا أدري فقد أجاب عن سؤال"  



            كجمع بين الموقفين المتناقضين، نقرّ أن هنالك نوعين من الأسئلة، النوع الأول يتمثل في الأسئلة البسيطة، الأسئلة المكتسبة و الأسئلة العملية التي حتى لو كان الجواب عنها صعبا لكنه يتم الوصول إليه عبر الزمن، أما النوع الثاني فهو صنف الأسئلة الفلسفية الانفعالية، لا يوجد جواب محدد لها لشدة تشابكها، لا يمكن الوصول لحلّ نهائي لها.[/rtl]

            وفي الأخير نستنتج من خلال مسار التحليل أن لكل سؤال جواب، رغم وجود بعض الأسئلة التي لا جواب لها تتحول إلى إشكاليات فلسفية معقدة، و لهذا اهتم الفلاسفة بالسؤال أكثر من الجواب لأنه يعتبر المحفز الأكبر للمعرفة. قال كارل يارسبرس: "أن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة لأن الجواب سرعان ما يتحول إلى سؤال جديد"]